لقد عانى العرب كثيرًا وعلى مر عصور طويلة من الحروب والاستعمار، وكان لكل دولة عربية تجربة قاسية مع الاحتلال ونهب الثروات لأعوام عديدة.
إلا أنه وسط هذه الظلمة والظروف القاسية التي شهدتها الأمم العربية خرج من وسط هذا الظلام العديد من النماذج المشرفة التي نجحت في قيادة شعوبها ضد الاحتلال ، والاستمرار في المقاومة.
ودولة الجزائر واحدة من الدول العربية التي وقعت تحت الاحتلال الفرنسي لسنوات عديدة شهدت خلالها العديد من أعمال التخريب والاعتقالات أثرت على مقاومة أهلها وكانت سببًا في ضعف شعبها.
إلى أن ظهر الأمير عبد القادر الذي قاد المقاومة الشعبية وكان سببًا في استعادة الروح القتالية.
فالكثير منا لا يعرف عن الأمير عبد القادر سوى الجانب السياسي وبراعته في مقاومة الاحتلال الفرنسي.
إلا أنه على الجانب الآخر كان شاعرًا وفقيه وفي الوقت نفسه فيلسوف.
واليوم سنخوض كثيرًا في حياة الأمير عبد القادر والعوامل التي أثرت به، وكانت سببًا في تخليد اسمه طويلًا في التاريخ.
أقرا أيضا : حاتم الطائي أكرم العرب
نشأة الأمير عبد القادر
ولُد الأمير عبد القادر قرب مدينة معسكر بالغرب الجزائري وذلك في عام 1808.
ويعود نسبه إلى الأدارسة الذين كان لهم حكم المغرب في القرن التاسع، واهتم والده كثيرًا بالتعليم وخاصة تعاليم القرآن والسنة والتعليم الصوفي.
فتمكن من حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية وهو في سن صغير، إلى جانب تعلمه للكتابة.
الأمر الذي جعله مناسبًا لإلقاء دروس العلم في المساجد والحديث عن المسائل الفقهية.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط بل في ظهرت براعته في عدة مجالات أخرى.
فأهتم كثيرًا بتعليم أصول الفروسية وركوب الخيل وأصبح بارعًا فيهما إلا أن العلم ظل الهدف الأساسي أمامه.
وهو ما دفع والده إلى إرساله إلى وهران لطلب العلم والتسلح به، وهناك تمكن من دراسة الفلسفة، الحساب، الجغرافيا.
كما تعمق في الفقه نتيجة دروس الشيخ أحمد بن الخوجة.
وبعد إنهاء رحلته العلمية ورجوعه إلى موطنه الأصلي قام بإنهاء مراسم زواجه وهو في سن مبكر.
وبعدها انتقل إلى السعودية لأداء فريضة الحج، وخلال رحلته مر بالعديد من الدول العربية والبلدان التي تعلم منها الكثير عن ثقافات كل شعب.
وفور رجوعه إلى الجزائر تعرضت لهجمات شرسة من قبل قوات الاحتلال الفرنسي التي نتج عنها سقوط العاصمة في الاحتلال.
محاربة الأمير عبد القادر للاحتلال الفرنسي
تولى الأمير عبد القادر قيادة المقاومة الشعبية بعد عودته إلى الجزائر وكان حينها في الخامسة عشر من عمره.
وتمكن من محاربة قوات الاستعمار وتوجيه الضربات القاتلة لهم التي كبدتهم الكثير من الخسائر المالية والبشرية، وصموده ومقاومته أهلته لتولى إمارة القبائل الجزائرية بعد الإجماع على اختياره.
فور توليه الإمارة اهتم كثيرًا بتوفير جميع الموارد المالية وتدريب القوات البشرية جيدًا للحرب والدفاع عن البلاد في فترة إقامة الهدنة مع الاحتلال الفرنسي، وفور نقض الهدنة من قبل قوات الاحتلال استجمع الأمير عبد القادر جيشه وقوته.
وبدأ من جديد في التصدي لقوات الاحتلال وأوقع منهم الخسائر العديدة، مما دفع فرنسا لطلب التصالح.
وتم عقد معاهدة تافنة الشهيرة والاعتراف بسيادته على الناحيتين الغربية والوسطى من الجزائر.
وعقب سلسلة طويلة من الصراعات ومحاولات الكر والفر ووقوع الخسائر العديدة في الطرفين.
انتهى الأمر بوقوع الأمير عبد القادر في الأسر وتم نفيه وسجنه في بمدينة بو في جنوب فرنسا ثم بعد ذلك في آمبواز بإقليم اللوار.
وفاة الأمير عبد القادر
توفى الأمير عبد القادر في دمشق عام 1883، وتم دفنه في دمشق بجوار الشيخ ابن عربي بالصالحية.
ثم تم نقل جثمانه بعد استقلال الجزائر في عام 1965 م.