هدي النبي في التعامل مع كبار السن كان بينًا، فقد أوصانا رسولنا صلى الله عليه وسلم برعاية المسنين وإكرامهم؛ لأنهم يكونون مستضعفين في تلك المرحلة من حياتهم، وديننا دائمًا ما يحرص على الإحسان للضعفاء ورعاية حقوقهم، بل إنه أيضًا جعل من يفعل ذلك ينال رزقًا عظيمًا وتحل عليه البركة، فقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ” ابغوني ضعفاءَكم؛ فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم”.
هدي النبي في التعامل مع كبار السن
أوضح لنا نبينا الكريم كيفية التعامل مع كبار السن وتوقيرهم، وذلك من خلال مجموعة من التعاليم والمبادئ التي أراد منا أن نتبعها في حياتنا معهم، وهي كالآتي:
إكرام الشباب للمسنين وتوقيرهم
– عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ”، وإذا لاحظنا سنجد التعميم في قوله “شيخًا”، فهو لم يحدد لونه أو جنسه أو دينه، فقط أوصانا بالاحسان لكبار السن كافةً دون الاقتصار على فئة معينة، وهذا دليل على رحمة ديننا الإسلامي بالناس جميعًا.
– عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ”، وبذلك فقد جعل نبينا الكريم إكرام المسنين من إجلال الله سبحانه وتعالى، وفي ذلك تكريم للمسنين وبيان لمدى أهمية رعايتنا لهم.
– عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: “لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويُوَقِّرْ كَبِيرَنَا”، وهنا نرى أن ديننا الحنيف يتبرأ من الأشخاص الذين لا يوقرون الكبار والمسنين، فالمسلم الحق هو من يحترم المسنين ويحسن إليهم ولا يعتدي عليهم سواء بالفعل أو القول أو حتى الإشارة.
اقرأ ايضا
علاج هشاشة العظام عند كبار السن
تسليم الصغير على الكبير
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ”، فعندما يسلم الصغير على الكبير فإنه بذلك يحترمه ويوقره، فهو المظهر الأول من المظاهر الذوقية والأخلاقية ومن هدي النبي في التعامل مع كبار السن.
تقديم المسنين
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أمرني جبريل أن أقدم الأكابر”، وبذلك فكان هدى النبي في التعامل مع كبار السن أنه علينا تقديمهم بوجوه الإكرام والتشريف بشكل عام، ومن أبرز تلك الوجوه:
– أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نبدأ بتقديم الشراب للكبير اولاً، فقد قال :” ابدءوا بالكبراء -أو قال- بالأكابر”، وعن عبد الله بن كعب: “كان إذا استن أعطى السواك الأكبر، وإذا شرب أعطى الذي عن يمينه”.
– أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقديم كبار السن في الإمامة، فقد قال:” يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ وَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءَة،ً فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُمْ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا…”
– جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأحقية في بدء الكلام والحوار لكبار السن، فعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَسَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ أَتَيَا خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْل،ِ فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ فَتَكَلَّمُوا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِم،ْ فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ : “كَبِّرْ الْكُبْرَ”، قَالَ يَحْيَى “يَعْنِي لِيَلِيَ الْكَلَامَ الْأَكْبَرُ..”
اقرأ ايضا
منع قتل المسنين في الحروب
علينا أن لا نغفل في هدي النبي في التعامل مع كبار السن أنه كان يوصي أصحابه وقائدي الجيش قائلاً: ” انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله. لا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلاً ولا صغيرًا، ولا امرأة. ولا تغلوا، ، وأصلحوا وأحسنوا، فإن الله يحب المحسنين”.
وبذلك نرى رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بكبار السن والنساء والأطفال، فهم لا يتم اعتبارهم من المحاربين لأنهم لا يقدرون على حمل السلاح، لذلك فإنه من الرحمة والرأفة بهم أن لا يتم أذيتهم في الحرب، وهذا من سماحة ديننا ونبينا الكريم.
مظاهر مراعاة كبار السن بالأحكام الشرعية
إن الإسلام دين يسر وليس عسر، لذلك فهو يخفف أحكامه عن صاحب الحرج مثل المسن، ويتجلى ذلك في التشريعات الإسلامية المختلفة، فهناك مراعاة واضحة لكبار السن في الكفارات والفرائض كما يلي:
التخفيف عن المسن في الكفارات
بالنسبة للتخفيف عن المسن في الكفارات فنرى ذلك في قصة “خولة بنت ثعلبة” التي ذكرت في القرآن الكريم، فحينما وقع زوجها المسن “أوس بن الصامت” بجريمة الظهار، جاء حكم الله تعالى بسورة المجادلة، حيث قال سبحانه:
” وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) “.
التخفيف عن المسن في الفرائض
– يجوز للمسن أن يفطر في نهار رمضان إذا كان الصيام شاقًا عليه بشكل كبير، كما أنه متاح له الصلاة وهو جالس إذا شق عليه القيام بها، كما يمكنه الصلاة راقدًا إذا كان الجلوس شاقًا عليه وهكذا.
– قام النبي صلى الله عليه وسلم بتعنيف معاذ بن جبل عندما صلى إمامًا وأطال في صلاته فقال: “يَا مُعَاذُ! أَفَتَّانٌ أَنْتَ! [ ثَلَاثَ مِرَارٍ]! فَلَوْلَا صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ!”.
– يمكن للمسن الغير قادر على امتطاء وسيلة نقل للحج أن يرسل من يجح عنه، فعَنْ الْفَضْلِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ، فَقَالَ لها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: “فَحُجِّي عَنْهُ”.
اقرأ أيضًا:
علاج هشاشة العظام عند كبار السن